«محمد عالي ولد فتى»، شاب في بداية العشرينات من العمر، يعمل في شبكة صحراء ميديا الإعلامية، مصمم صحف، كما يعمل بمجال صيانة الأجهزة الإلكترونية. تحول هذا الشاب من شخص مشاكس، يعيش حياة منفتحة أكثر من اللازم، إلى حياة جديدة بالكامل، يروي تفاصيلها لـ «سيدتي».
يقول محمد: «كانت حياتي مليئة بأخطاء الشباب وهفواته، فيما يتعلق بالمضمون، ومن ناحية الشكل، فكانت هيئتي أقرب إلى هيئة رجل العصابات، أما اليوم فقد انتقلت إلى حياة الإيمان والاتزان والرزانة والتقوى».
محمد عالي أقلع في رمضان، قبل الماضي، عن طريقة حياته السابقة، واتخذ لنفسه هيئة الشاب المؤمن، الذي يتجاوز المظاهر إلى المضامين والمعاني، ويكثر من قراءة القرآن والسيرة وأحاديث النبي، صلى الله عليه وسلم، واليوم تغير الشاب وتغيرت صورته، لدرجة أن مقارنة صور اليوم بصور الأمس، قد تصيب بالدهشة.
بداية التحول
يقول محمد عالي عن هذا التحول الجذري الذي حصل في حياته: لقد قرأت قصة جميلة ومليئة بالمعاني والموعظة في أحد الكتب الغربية المترجمة، وفكرة هذه القصة باختصار هي أن أحد حكام إيطاليا دعا فناناً تشكيلياً شهيراً، وأمره برسم صورتين مختلفتين ومتناقضتين عند باب أكبر مدكز روحي في البلاد. الحاكم أمر الرسام بأن يرسم صورة ملاك، وأن يرسم مقابلها صورة الشيطان، لرصد الاختلاف بين الفضيلة والخطيئة.
وقام الرسام بالبحث عن مصدر يستوحي منه الصور، وعثر صدفة على طفل بريء وجميل، تطل السكينة من وجهه الأبيض المستدير، وتغرق عيناه في بحر من السعادة، فذهب معه إلى أهله، واستأذنهم في استلهام صورة الملاك من خلال جلوس الطفل أمامه كل يوم حتى ينهي ذلك الرسم العملاق مقابل مبلغ مالي، وبعد شهر أصبح الرسم جاهزاً، ومبهراً للناس، وكان نسخة من وجه الطفل، مع قليل من إبداع الفنان، ولم يرسم أروع منه في ذلك الزمان.
وبدأ الرسام في البحث عن شخص يستوحي من وجهه صورة الشيطان، وكان الرجل جاداً في الموضوع، لذلك بحث كثيراً، وطال بحثه لأكثر من عشرين عاماً، وأصبح الحاكم يخشى أن يموت الرسام قبل أن يكمل التحفة التاريخية، لذلك أعلن عن جائزة كبرى ستمنح لأكثر الوجوه إثارة للرعب والقبح، ولا توجد به ذرة من إنسانية أو أخلاق. وقد زار الفنان السجون والعيادات النفسية، والحانات وأماكن المجرمين، لكنهم جميعاً كانوا «بشراً» وليسوا «شياطين».
وذات مرة عثر الفنان فجأة على «الشيطان»، وكان عبارة عن رجل سيئ يبتلع زجاجة خمر في زاوية ضيقة داخل حانة قذرة، اقترب منه الرسام، وحدثه حول الموضوع، ووعده بإعطائه مبالغ هائلة من المال، فوافق الرجل، وكان قبيح المنظر، كريه الرائحة، أصلع، وله شعرات نبتت في وسط الرأس كأنها قرون الشيطان، وكان عديم الروح، ولا يأبه بشيء، ويتكلم بصوت عال، وفمه خال من الأسنان، وفرح به الحاكم، لأن العثور عليه سيساهم في استكمال العمل في واجهة الصرح الروحي.
الطفل والشيطان
وجلس الرسام أمام الرجل وبدأ يرسم على وجهه ملامح الشيطان، وذات يوم التفت الفنان إلى «الشيطان» الجالس أمامه، وإذا بدمعة تنزل على خده، فاستغرب الموضوع، وسأله ما إذا كان يريد أن يدخن أو يحتسي زجاجة خمر، فأجابه بصوت أقرب إلى البكاء المختنق: «أنت يا سيدي زرتني منذ أكثر من عشرين عاماً، حين كنت طفلاً صغيراً، واستلهمت من وجهي صورة الملاك، وأنت اليوم تستلهم مني صورة الشيطان، لقد غيرتني الأيام والليالي حتى أصبحت نقيض ذاتي!». وانفجرت الدموع من عينيه، وارتمى على كتف الفنان، وجلسا معاً يبكيان أمام صورة الملاك، وسالت دموع الفنان.
ويضيف محمد عالي: «عندما قرأت هذه القصة، بدأت تسري بداخلي موعظة عجيبة، وتفكرت في أمور الخلق والكون، وبدأت أتغير بالكامل، رغم أنني لم أكن «شيطاناً» في حياتي، بقدر ما كنت أعيش حياة الشباب المفعمة بالأخطاء، ورغم أن القصة غربية، إلا أنها ساعدتني كمسلم على ترسيخ الإيمان في قلبي، لأنها في النهاية تدل على قدرة الله على تغيير البشر، إذا لم يلتزموا بتعاليم دينه ولم يحترموا حدوده.
منذ رمضان قبل الماضي، يقول محمد عالي، بدأت في تغيير شكلي ومضموني، والشكل في حد ذاته ليس مهماً بالدرجة الأولى، ولا يدل على الحقيقة، لكنه إذا كان صادقاً، فهو يساهم في التعبير عن حالة الإيمان الصادق والالتزام.