بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أهمية بناء الأسرة والألفة في بيت الزوجية :
وإن من أعظم ما يؤثر في ذلك على الفرد وعلى الجماعة : بناء الأسرة واستقامتها على الحق ؛
فاللّه سبحانه بحكمته جعلها المأوى الكريم الذي هيأه للبشر من ذكر وأنثى . . يستقر فيه
ويسكن إليه ، يقول- جلَّ جلاله وتقدَّست أسماؤه- ممتنا على عباده : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ
لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ نعم
، ليسكن إليها ، ولم يقل ليسكن معها ، مما يؤكد معنى الاستقرار في السلوك والهدوء في الشعور ،
ويحقق الراحة والطمأنينة بأسمى معانيها ؛ فكلّ من الزوجين يجد في صاحبه الهدوء عند القلق ،
والبشاشة عند الضيق .
إن أساس العلاقة الزوجية :
الصحبة والاقتران القائمان على الودّ والأنس والتآلف . إنَّ هذه العلاقة عميقة الجذور بعيدة الآَماد ، إنها أشبه ما تكون صلة للمرء بنفسه ، بينها كتاب ربنِّا بقوله : هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ
فضلًا عما تُهَيِّئه هذه العلاقة من تربية البنين والبنات وكفالة النشء . . التي لا تكون إلا في ظلِّ أمومة حانية وأبوُّةٍ كادحة . .
وأيُّ بيئةٍ أزكى من هذا الجو الأسري الكريم ؟
دعائم بناء الأسرة المسلمة
هناك أمور كثيرة يقوم عليها بناء الأسرة المسلمة وتتوطَّد فيها العلاقة الزوجية ، وتبتعد فيها عن
رياح التفكك ، وأعاصير الانفصام والتصرم : -
(1) الإيمان باللّه وتقواه :
وأول هذه الأمور وأهمها : التمسك بعروة الإيمان الوثقى . . الإيمان باللّه واليوم الآخر ،
والخوف من المطَّلع على ما تكنُهّ الضمائر ، ولزوم التقوى والمراقبة ، والبعد عن الظلم والتعسُّف
في طلب الحق . ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ
مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ
ويقّوي هذا الإيمان : الاجتهاد في الطاعة والعبادة والحرص عليها والتواصي بها بين الزوجين
، تأمَّلوا قوله- صلى الله عليه وسلم : رِحم اللّه رجلًا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته
فصلّت ، فإن أبت نضح في وجهها الماء - يعني : رشَّ عليها الماء رشًَّا رفيقًا- ورحم اللّه
امرأةً قامت من الليل فصلَّت وأيقظت زوجها فصلى ، فإن أبى نضحت في وجهه الماء .
إن العلاقة بين الزوجين ليست علاقة دنيوية مادية ، ولا شهوانية بهيمية ، إنها علاقة روحية كريمة
، وحينما تَصِحُّ هذه العلاقة وتَصْدُق هذه الصفة ، فإنها تمتد إلى الحياة الآخرة بعد الممات :
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ
(2) المعاشرة بالمعروف :
إن مما يحفظ هذه العلاقة ويحافظ عليها . . المعاشرة بالمعروف ، ولا يتحقق ذلك إلا بمعرفة
كل طرف ما له وما عليه . وإنَّ نُشْدَان الكمال في البيت وأهل البيت أمر متعذر ، والأمل في
استكمال كل الصفات فيهم أو في غيرهم شيء بعيد المنال في الطبع البشري .
دور الزوج في الحفاظ على بيت الزوجية والمعاشرة بالمعروف :
ومن رجاحة العقل ونضج التفكير توطين النفس على قبول بعض المضايقات ، والغض عن بعض
المنغصات ، والرجل- وهو رب الأسرة- مطالب بتصبير نفسه أكثر من المرأة ، وقد علم أنها
ضعيفة في خَلْقها وخُلُقها ، إذا حوسبت على كل شيء عجزت عن كل شيء ، والمبالغة في تقويمها
يقود إلى كسرها وكسرها طلاقُها ، يقول المصطفى الذي لا ينطق عن الهوى- صلى الله عليه
وسلم : واستوصُوا بالنساء خيرًا فإنهن خُلِقْنَ من ضلع ، وإنَّ أعوج شيء في الضلع أعلاه ،
فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيرًا فالاعوجاج في المرأة
من أصل الخلْقة فلا بد من مسايرته والصبر عليه .
فعلى الرجل ألا يسترسل مع ما قد يظهر من مشاعر الضيق من أهله وليصرف النظر عن بعض
جوانب النقص فيهم ، وعليه أن يتذكَّر لجوانب الخير فيهم وإنه لواجد في ذلك شيئًا كثيرًا .
وفي مثل هذا يقول الرسول ، صلى الله عليه وسلم : لا يفْرَك مؤمنٌ مؤمنةً- أي : لا
يُبغض ولا يكْره- إن كره منها خلقًا رضي منها آخر وليتأنَّ في ذلك كثيرًا فلَئِن رأى بعض ما
يكره فهو لا يدري أين أسباب الخير وموارد الصلاح .
يقول- عَزَّ من قائل- : وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا
وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا
وكيف تكون الراحة ؟ وأين السَّكَن والمودة ؟ إذا كان رَبُّ البيت ثقيل الطبع ، سيئ العشرة ضيّق
الأفق ، يغلبه حمق ، ويعميه تعجُّل ، بطيء في الرضى ، سريع في الغضب ، إذا دخل فكثير المنّ ،
وإذا خرج فسيئ الظن . وقد عُلم أنَّ حسن العشرة وأسباب السعادة لا تكون إلا في اللين والبعد
عن الظنون والأوهام التي لا أساس لها ، إن الغيرة قد تذهب ببعض الناس إلى سوء ظنّ . .
يحمله على تأويل الكلام والشك في التصرفات ، مما ينغص العيش ويقلق البال من غير مستند
صحيح .
وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ كيف وقد قال ، صلى الله عليه وسلم : خيركم خيركم لأهله ،
وأنا خيركم لأهلي .
دور الزوجة في الحفاظ على بيت الزوجية والمعاشرة بالمعروف :
أما المرأة المسلمة : فلتعلم أن السعادة والمودة والرحمة لا تتم إلا حين تكون ذاتَ عفةٍ ودين ،
تعرف ما لها فلا تتجاوزه ولا تتعداه ، تستجيب لزوجها ؛ فهو الذي له القوامة عليها يصونها
ويحفظها وينفق عليها ؟ فتجب طاعته وحفظه في نفسها وماله ، تتقن عملها وتقوم به وتعتني بنفسها
وبيتها ، فهي زوجة صالحة وأم شفيقة ، راعيةٌ في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ، تعترف
بجميل زوجها ولا تتنكر للفضل والعشرة الحسنة . يحذِّرُ النبي- صلى الله عليه وسلم -
من هذا التنكر ويقول : أريتُ النار فإذا أكثر أهلها النساء ، يكفرن قيل : أيكفرن باللّه ؟ قال
: لا . يكفرن العشير ؛ لو أحسنتَ لإحداهنَّ الدهرَ ثم رأت منكَ شيئًا قالت : ما رأيت منك
خيرًا قط فلا بد من دَمح الزلاَت والغض عن الهَفَوات . . لا تسيء إليه إذا حضر ولا
تخونه إذا غاب .
بهذا يحصل التراضي وتدوم العُشرْة ويسود الإلف والمودة والرحمة . و أيّما امرأةٍ ماتتْ
زوجُها عنها راضٍ دَخَلت الجنة .
فاتَّقوا اللّه يا أمّة الإسلام- واعلموا أنه بحصول الوئام تتوفَّر السعادة ، ويتهيأ الجو الصالح
للتربية ، وتنشأ الناشئة في بيتٍ كريمٍ مليء بالمودة عامر بالتفاهم . . بين حنان الأمومة
وحدب الأبوة . . بعيدًا عن صخب المنازعات والاختلاف ، وتطاول كل واحد على الآخر ،
فلا شقاق ولا نزاع ولا إساءة إلى قريب أو بعيد . رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ
وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا
خاتمة
وختامًا- أخي المسلم ، أختي المسلمة- وفقكما اللّه :
إن صلاح الأسرة طريق أمان الجماعة كلها ، وهيهات أن يصلح مجتمع وَهَنتْ فيه حبال الأسرة .
كيف وقد امتنَّ اللّه سبحانه بهذه النعمة . . نعمة اجتماع الأسرة وتآلفها وترابطها فقال سبحانه
: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ
أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ
إن الزوجين وما بينهما من وطيد العلاقة ، وإن الوالدين وما يترعرع في أحضانهما من بنين وبنات
يمثلّان حاضر أمة ومستقبلها ، ومن ثم فإن الشيطان حين يفلح في فَكِّ روابط أسرة فهو لا يهدم بيتًا
واحدًا ، ولا يحدث شرا محدودًا ، وإنما يوقع الأمة جمعاء في أذى مُسْتعر وشرٍّ مستطير .
والواقع المعاصر خيرُ شاهد .
فرَحِمَ اللّه رجلًا محمود السَيرة ، طيِّب السريرة ، سهلًا رفيقًا ، ليِّنًا رؤوفًا ، رحيمًا بأهله حازمًا في
أمره ، لا يكلف شططا ولا يرهق عُسرًا ، ولا يهمل في مسؤولية . ورَحِمَ اللّه امرأة لا تطلب
غلطًا ولا تكثر لغطًا صالحةً قانتةً حافظةً للغيب بما حفظ اللّه .
فاتقوا اللّه أيها الأزواج ، واتقوا اللّه أيها المسلمون فإنه من يتق اللّه يجعل له من أمره يسرًا .
وصلى اللّه وسلم على خير خلقه نبينا محمد ، وعلى آله وأزواجه الطيبين الطاهرين ، وعلى
صحبه الغرّ الميامين ، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين .
سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .